إذا كان الرأي العام المغربي يتوق إلى قضاء فعال يرقي إلى مستوى طموحه، فإن الوصول إلى هذا المبتغى ينطلق من مؤسسة المعهد العالي للقضاء، التي أناط بها المشرع مهام إعداد وتكوين وتأطير وإنماء القدرات المهنية للقضاة. من خلال تزويدهم بالمعارف والمهارات والخبرات التي تجعلهم قادرين على مزاولة العمل القضائي بما يحقق الأهداف المخططة للمؤسسة القضائية. إن المهمة المنوطة بالمعهد العالي للقضاء لا تنحصر في تكوين رجال القضاء، بل تندمج في سياق رؤية شمولية تنبني على التكوين والتكوين المستمر لكافة الفاعلين بقطاع العدالة لتمتد إلى نسيج المجتمع وأوصاله الاجتماعية والاقتصادية ومختلف مناحي حياة الأفراد والجماعات.
رؤيةٌ واعية، تقوم على أسس صلبة ومتينة، تهدف إلى توفير مناخ الثقة باعتباره محفزا للتنمية والاستثمار، والتي حث على تبنيها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2013 حيث قال: “ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك، نضع إصلاح القضاء، وتخليقه وعصرنته، وترسيخ استقلاله، في صلب اهتماماتنا، ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم. وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة، كمحفز على التنمية والاستثمار”.
إن تأهيل الإدارة القضائية والارتقاء بها ينطلق من وعي مكونات المعهد العالي للقضاء قضاة وموظفين وأطرا بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقهم، والوعي بأفق انتظارات مكونات النسيج التنموي والاقتصادي والاجتماعي المغربي والدولي، التي لا تتوق فقط إلى حماية حقوق وحريات المواطنين ورفع المظالم بل الإحساس كذلك بالأمن القضائي من خلال الثقة في أحكام القضاة.
كل ذلك ينبني على تكوين قانوني وقضائي منفتح، يتيح للمعهد العالي للقضاء التميز والريادة في مجاله، ونقل خبراته في مجال التكوين لمختلف المؤسسات الوطنية ذات الاهتمام بالمجال القانوني والقضائي والانفتاح على شركائه دوليا، كما يتأسس على فهم دقيق لمسؤوليات القاضي الآنية والمستقبلية، وعلى الأدوار السامية والمتنامية المنوطة به في المجتمع وتطلعات وانتظارات الرأي العام الوطني والدولي.
إن المعهد العالي للقضاء وهو يواصل القيام بمهامه مقبل على تحولات وتحديات كبرى تتطلب منه تجديد الوعي المهني للمؤسسة وصياغة التوجهات التي تتطلع للمستقبل برؤى تجديدية، لضمان جودة التكوين الأساسي، والارتقاء بمستوى التكوين المستمر والتكوين التخصصي وتفعيل التكوين في الإدارة القضائية، وتوسيع التكوين المتخصص لضمان الاحترافية وتحقيق التميز. مما سيساهم لامحالة في توفير خدمة قضائية جيدة.
إنها لرسالة سامية نمارسها اليوم بوعي واقتدار بالرغم من صعوبتها، لكن مكونات المعهد العالي للقضاء قادرة على رفع كل التحديات، استكمالا لمسيرة المعهد المشرفة وتحقيق المبتغى.